غدامس.. جوهرة الصحراء
تقع غدامس إلى الجنوب الغربي من طرابلس وتبعد عنها بمسافة "584" كم تقريبا وهي احدى المدن القديمة في الجماهيرية وكانت تسمى سيداموس. احتلها القرطاجنيون سنة 795 ق.م ثم احتلها الرومان سنة 19 ق.م وافتتحها العرب بقيادة عقبة بن نافع 42 هـ.
تحدث عنها كثير من الجغرافيين والرحالة العرب.. فصاحب كتاب "الاستبصار" وصفها في القرن السادس الهجري بقوله مدينة غدامس مدينة لطيفة قديمة أزلية، وبها دوامس وكهوف كانت سجونا للملكة الكاهنة التي كانت بافريقية، وهذه الكهوف من بناء الأولين، فيها غرائب من البناء والازاج المعقودة تحت الأرض ما يحار الناظر إليها إذا تأملتها تنبئ أنها آثار ملوك لا سالفة وأمم دراسة، والكماة تعظم بتلك البلاد حتى تتخذ فيها اليرابيع والأرانب أجحارا. وذكر ياقوت الحموي في كتابة معجم البلدان بأن في وسطها عينا أزلية وعليها أثر بنيان عجيب رومي يفيض الماء فيها، ويقسّمه أهل البلدة بأقساط معلومة لا يقدر أحد أن يأخذ أكثر من حقّه وعليها يزرعون ويقصد ياقوت بذلك عين الفرس.
الصورة من داخل فندق دار غدامس .
غدامس محاطة بسور شبه دائري وقد تهدم أغلبه الآن وكانت به مجموعة من الأبواب كانت تقفل عند المغرب، وهي مبنية بالطين ويستعمل أهلها جذوع النخيل للتسقيف وشوارعها مظلمة وهناك طرق علوية تستعملها النساء، وتمتاز مباني مدينة غدامس بمعمارها الإسلامي المحلي وتوجد بها كثير من المعالم الإسلامية الهامة مثل جامع سيدي يونس وجامع عقبة البدري والجامع العتيق وغيرهما من المعالم الإسلامية التي تعد مفخرة للجماهيرية.
حظيت مدينتا طرابلس وغدامس بمكانة خاصة في القرن التاسع عشر باعتبارهما بوابة أساسية للدخول إلى الصحراء وإلى القارة الأفريقية. وقد انطلقت من طرابلس في القرن التاسع عشر بعثات استكشاف الصحراء الشهيرة التي قام بها هيو كلابرتون، والاندر لينغ، وهنريخ بارت، وغوستاف ناهتيغال .. وآخرون كثيرون.
الصناعات التقليدية في غدامس الليبية .
وقد شارك في حملات الاكتشاف المتنوعة رحالة من كل أنحاء القارة الأوروبية بما فيها روسيا القيصرية، إذ زارها في عام 1885 م، وهي ما تزال ضمن الدولة العثمانية، طبيب وفنان روسي يدعى الكسندر فاسيليفيتش يليسييف، الذي يعتبر أول أديب روسي يترك وصفا للطوارق، كما يعتبر أول سائح روسي يصل إليها. فمن هو هذا الطبيب والفنان القادم من بلاد الثلج إلى بلد الشمس؟
الصورة العلوية و التي في أسفل الكتابة ترينا جمال الصبايا و البنات في غدامس الليبية .
توجه يليسييف، إلى غدامس التي أعجب بسكانها وبمعاملتهم أشد الإعجاب. وقد أفرد للحديث عن خصائصهم فصولا مطولة في كتابه "في العالم"، من ذلك قوله: "من الغريب أن المدينة نفسها لم تفلت انتباهي، بل ما لفت انتباهي هم سكانها الرائعون". ويستطرد في وصف استقبال أهالي غدامس واحتفائهم بقافلته بقوله:
"عند مدخل المدينة، استُقبلنا من قبل جموع من الغدامسية، الذين كانوا يرتدون أغطية على الرأس بيضاء وسوداء، كما الطوارق. انطلقوا نحو قافلتنا الصغيرة وهم يطلقون صرخات البهجة، يحيون قائد القافلة "ابن صلاح"، ويستوضحون منه كل شيء ضروري عني. كثير من القادمين اقتربوا من جملي، في نفس الوقت الذي قام البعض بقيادته من رسنه، بينما البعض الآخر مسّد جنبه المتعرق، وآخرون وصلوا إليّ أيضا. في شرف رتبتي كرحالة طبيب، يجمع الأعشاب الطبية في الصحراء، حملت متقدما حزما من النباتات اليابسة، الأمر الذي لفت انتباه الجميع. دخولنا إلى غدامس كان احتفاليا بهذا الشكل، وقد تسبب في حدوث ضجيج كبير في المدينة، التي نادرا ما ترى أوروبيا. بيت ابن صلاح كان يقع خارج حدود المدينة وسط حديقة رائعة لم أكن أحتاج لشيء أكثر منها".
يقول معبرا عن مظاهر التبجيل التي لقيها من الأهالي: "أنا فعلا لم أجد هنا فقط المأوى والمعاملة الطيبة، بل لقيت تكريما خاصا: الناس الطيبون كانوا في حيرة كيف يُرضون الطبيب القادم إلى غدامس.
الزي الشعبي الغدامسي بالنسبة للرجال .
و هذه صورة ترينا الزي الغدامسي للنساء في غدامس .
و هذه صورة لإطلالة من على شرفة بيت غدامسي .
أما عن الطوارق، فان يليسييف وعلامة على إعجابه بالدور الكبير الذي تؤديه المرأة عندهم، فقد جعل من ابنة أحد شيوخهم شخصية أدبية بفضل التفاصيل التي خصها، من ذلك هذا الوصف لحفل دعي إليه إذ
يقول:
هذه الصورة تعبر عن اللغة الأمازيغية التي يتكلمها بعض
إخواننا من بينهم سكان غدامس و زوارة و الجبل الغربي .
"ذات مرة حضرت حفلا أقام " أخاريخيلين- احد من زعماء الطوارق، الذي عاد منذ وقت قصير من رحلة إلى جبال الهقار. هنا بالإضافة للرجال، كانت توجد النساء. بنات الصحراء كن لابسات ثيابا زرقاء متزينات بالخواتم والحُلي. كثيرات منهن لهن وجوه مزينة بصبغة صفراء، ولهن ملامح رقيقة. من بين نساء الطوارق تميزت بالخصوص الحسناء" أفانيور" ابنة" أخاريخيلين".
ترك الرحالة الروسي دراسات متخصصة كثيرة مبثوثة في الدوريات العلمية القديمة، كما أنه أفرد لمذكرات رحلاته كتابا بعنوان "في العالم".
ومن أهم ما ترك لنا يليسييف أيضا لوحات فنية رسمها لمدينتي طرابلس وغدامس تتضمن جوانب مختلفة لخصوصية الأهالي. وقد وثقت هذه اللوحات معالم المدينتين ومظاهر الحياة فيهما، كما خلّدت بعض الشخصيات التي التقاها الرحالة وتعايش معها عن قرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق